الدور المصري في القضية الفلسطينية: من نكبة 1948 إلى حرب 2023–2025 على غزة ( قراءة تحليلية متعددة الأبعاد )
بقلم : ولاء سعيد الحمضيات – باحثة دكتوراه – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – قسم الإدارة العامة – جامعة القاهرة
تتناول هذه الورقة التحليلية الدور التاريخي والمعاصر الذي لعبته جمهورية مصر العربية في دعم القضية الفلسطينية، منذ نكبة عام 1948 وحتى المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة خلال أعوام 2023–2024. وبمنهج تحليلي متعدد الأبعاد، تستعرض الورقة المسار السياسي والدبلوماسي، والدور الإنساني والطبي، والبعد الشعبي والمجتمعي لهذا الدور. وتخلص الورقة إلى أن مصر ظلت الطرف العربي الأكثر ثباتًا وواقعية في تعاملها مع الملف الفلسطيني، مع مراعاة مصالحها القومية ومتغيرات الإقليم.
✦ المقدمة::
لم تكن القضية الفلسطينية يومًا شأنًا داخليًا فلسطينيًا صرفًا، بل ظلت على مدار العقود قضية عربية مركزية، وتُعدّ مصر في طليعة الدول التي تحمّلت مسؤوليات سياسية وأمنية وإنسانية كبرى تجاه هذه القضية. فمنذ نكبة 1948، ومصر تؤدي دورًا يتراوح بين الفاعلية الإقليمية والانخراط العسكري، والوساطة الدبلوماسية، والاحتضان الإنساني، رغم التحولات الداخلية والإقليمية والدولية.
✦ أولًا: مصر ونكبة 1948 – الانخراط العسكري والاحتضان الإنساني
• شاركت القوات المصرية في حرب فلسطين 1948 إلى جانب جيوش عربية أخرى، ووقعت عشرات المعارك على يد القوات المصرية في عراق سويدان، الفالوجة، المجدل، ورفح.
• بعد النكبة، آوت مصر آلاف اللاجئين الفلسطينيين، وأدارت قطاع غزة إداريًا وأمنيًا حتى عام 1967، ووفّرت التعليم والرعاية الصحية في ظل ظروف حصار دولي وقاري مفروض على غزة.
✦ ثانيًا: الدور السياسي والدبلوماسي لمصر في دعم القضية الفلسطينية
1. دعم الشرعية الفلسطينية:
• كانت مصر أول دولة عربية تعترف بـمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني منذ الستينيات.
• استضافت مؤتمرات حاسمة في مسار منظمة التحرير والانتفاضة الفلسطينية، بما في ذلك لقاءات القاهرة (1994–1996).
2. الوساطة بين الفصائل:
• لعبت مصر دورًا مركزيًا في ملف المصالحة الفلسطينية، خاصة بين فتح وحماس، منذ انقسام 2007 وحتى اتفاقات 2021–2022.
• اعتمدت مصر سياسة “الاحتواء دون الانحياز”، فحافظت على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف.
3. إدارة التهدئة والوساطات:
• خلال الحروب المتكررة على غزة (2008، 2012، 2014، 2021، 2023)، كانت مصر هي الوسيط الرئيسي بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وضمنت اتفاقات وقف إطلاق النار.
✦ ثالثًا: الدور الإنساني والطبي من الدعم الإغاثي إلى الجسور الجوية
1. معبر رفح كبوابة إنقاذ:
• ظلّ معبر رفح الحدودي، الواقع تحت السيادة المصرية، هو المنفذ الوحيد لغزة نحو العالم الخارجي، خصوصًا خلال الحصار الإسرائيلي منذ 2007.
• استُخدم المعبر لنقل المساعدات، الجرحى، المرضى، والطلاب، ويُعدّ شريانًا حيويًا لقطاع غزة في فترات الطوارئ.
2. استقبال الجرحى في المستشفيات المصرية:
• خلال الحرب الأخيرة (2023–2024)، فتحت مصر مستشفياتها في العريش، الإسماعيلية، والقاهرة لاستقبال آلاف الجرحى.
• تم إنشاء مستشفيات ميدانية في سيناء، وتوفير فرق طبية متخصصة، وتقديم الدعم النفسي لضحايا الحرب.
3. الجسور الجوية والبحرية:
• نظّمت مصر جسورًا جوية من القاهرة والعريش لإدخال مساعدات إغاثية عاجلة بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري والأمم المتحدة.
✦ رابعًا: البعد الشعبي والمجتمعي: فلسطين في الوعي المصري
1. موقف الشعب المصري:
• أظهر المجتمع المدني المصري، منذ نكبة 1948، تضامنًا واسعًا مع القضية الفلسطينية، من خلال التظاهرات، الحملات، العمل الخيري، والضغط الشعبي.
• في كل عدوان على غزة، تتحول الجامعات والنقابات والأحياء الشعبية إلى ساحات دعم لفلسطين.
2. الإعلام والثقافة:
• ساهمت الدراما المصرية، والأدب، والمقالات الصحفية في تكريس سردية مقاومة للاحتلال، وحاضنة للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
• لا تزال عبارات مثل “القدس لنا” و”غزة في القلب” جزءًا من الوعي الجمعي المصري.
✦ خامسًا: التحديات والقيود على الدور المصري
رغم هذا الدور المساند، إلا أن السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية تخضع لعدة محددات:
• الضغوط الدولية والإقليمية (خصوصًا الأميركية والإسرائيلية).
• التوازن بين التضامن القومي ومصالح الأمن القومي المصري في سيناء.
• ضغوط التحديات الاقتصادية الداخلية التي أثّرت على قدرة مصر على تحمل أعباء النزوح.
ومع ذلك، لم تتنصّل مصر يومًا من مسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين، بل ظلت تمارس دورها ضمن هوامش الممكن.
✦ ختاما : مصر هي العمق العربي الدائم لفلسطين
على امتداد أكثر من سبعة عقود، لم تكن مصر داعمًا سياسيًا فحسب، بل كانت فاعلًا أساسيًا في رسم المشهد الفلسطيني، من خلال دورها العسكري، السياسي، الإنساني، والشعبي.
وفي زمن يزداد فيه الانقسام العربي والتطبيع، تظل مصر رغم كل الضغوط حارسًا للعهد القومي تجاه فلسطين، ومحورًا مركزيًا في كل مفترق حاسم.
وإذا كانت غزة تدفع ثمن وجودها كل يوم، فإن مصر تظل الشريان الذي لم ينقطع، والموقف الذي لم يتبدّل، والحليف الذي يعرفه الفلسطينيون من نبضه لا من شعاراته